إن طفل التوحد لا يستطيع إقامة أي نوع من التواصل الاجتماعي، حتى مع أقرب الناس إليه، ويتم عادة استخدام برامج تعديل السلوك، مع التركيز على المعززات بأشكالها كلها، وكذلك التركيز على الأنشطة الجماعية التي توفر المشاركة الاجتماعية مثل التوجه إلى الملعب لممارسة النشاط الرياضي، أو التوجه إلى المطبخ في فرصة الغداء، أو ترتيب غرفة الصف، أو القيام بنشاط زراعي، أو بالمشاركة في الرقص الجماعي، أو الغناء الجماعي… إلخ. مع اتباع الرحلات المنظمة، حيث يقوم الطفل كل ثلاثة أيام أو أسبوع بالخروج في رحلة إلى الأماكن العامة، وتوفير فرص اجتماعية في مواقف بيئية مختلفة.
ويمكن تشجيع برنامج مشاركة الأهل في التعليم، ليوم في الأسبوع حيث يلبث الطفل مع أهله في المدرسة، وفي الصف مما يخلق جواً من الألفة الاجتماعية، ويشجع على التواصل الاجتماعي بين الطفل وأسرته، يضاف إلى ذلك القيام بالحفلات والمسابقات مما يشجع الطفل المتوحد على الخروج من عزلته والشعور بمن حوله. وكذلك برامج الدمج مع حالات التوحد البسيطة والمتوسطة، ومن الطرق التي تستخدم في تعليم المهارات الاجتماعية وتطويرها لدى طفل التوحد ما يلي:
يقوم المدرب بالكشف عن المهارة الاجتماعية التي يحتاج إليها الطفل، ومن ثم وضع برنامج لبناء سلوك هذه المهارة وتشكيلها، ولا بد بالنسبة إلى أطفال التوحد من دمج ثلاثة عناصر هي تحليل مبدئي للمهارات التي تعتبر هامة للطفل في الوضع الطبيعي، والتسلسل في التعليم في كل خطوات المهارة باستخدام النمذجة والملاحظة والتقليد، ثم الإعادة والتكرار واستخدام المعززات والتشجيع مع وجود الأقران وفي البيئة الطبيعية، واستخدام أسلوب تعدد البيئات والنماذج للوصول إلى مرحلة تعميم التعليم أو الاستجابة؛ مثلاً: لتعليم أطفال التوحد البالغين يتم استخدام الألعاب التي تناسب أعمارهم مثل ألعاب الحاسوب، ويتم تحليل هذه المهارة، وتحديد المعززات ووسائل التشجيع، والأقران (peers) الذين سيشتركون معهم في اللعب، وبعد أن يتم تعريفهم بالطفل المتوحد وتوضيح دورهم، والاستمرار بهذا الدور من خلال التفاعل والاشتراك مع الأقران وحتى الوصول إلى المرحلة النهائية أي التعميم بحيث يمكن استبدال آخرين ومن بيئات مختلفة بالأقران، ويقوم المدرب بتحفيز الطفل التوحدي للاشتراك في أي نشاط أو سلوك تفاعلي، والذي إذا حدث فتتم الاستجابة له بشكل إيجابي من قبل المدرب أو الأقران.
ويتم تقديم برامج لتعليم الأقران كيفية المبادرة واستخدام التعزيز الإيجابي لتعليم المهارات لزميلهم المتوحد، وفي جلسة تعليم الأقران (peers) يتم تسجيل فترات التفاعل العفوية بين أطفال التوحد والأقران وجدولتها، بحيث يتم التعود على الأقران، ويتم توضيح المعلم أو المدرب للأقران أي المهمات سيتم استخدامها في التدريس، وكيفية التوجيه، وتقديم التعزيز، والتصرف مع السلوك غير المناسب… ويتم تلقين القرين إعطاء توجيهات وأوامر محددة واضحة وقصيرة مثل: (أين القلم؟ أشر إليه، اقرأ هذه الكلمة، أحسنت، ابتسامة، شوكولا… إلخ). ويتم تدريب القرين على استخدام عبارات مثل: انظر إلى الكتاب، وفي حالة الشرود وعدم الاستجابة يتم شد ذراع الطفل التوحدي لجعله يبدأ بالمهارة، أو الإهمال وعدم النظر إلى الطفل إذا قام بسلوك غير سوي، والمدرب يقوم بمراقبة الوضع وتقديم تعزيز وتوجيه للقرين، والاستماع إلى ملاحظاته والإجابة عن تساؤلاته، وقد يتدخل المدرب للسيطرة على أي سلوك مفاجئ من قبل الطفل التوحدي.
وهناك طرق أخرى لتوفير اللعب الجماعي، والزيارات الميدانية، والأنشطة الرياضية، وبرامج المخيمات الصيفية، والمسابقات، والأنشطة مثل الرسم، والموسيقا، والغناء، والتمثيل، وطريقة توزيع الأدوار والمسؤوليات داخل الفصل الدراسي، مع الاعتماد على تقنيات تعديل السلوك والتعزيز، بالإضافة إلى استخدام برامج الحاسوب التي تتيح فرصة التفاعل الاجتماعي أثناء فترة التدريب على استخدام الحاسوب، بالإضافة إلى ما تحتويه مادة البرمجة من فرص للتفاعل الاجتماعي واللغوي ومن خلال المحاكاة والتعزيز الفوري، مثل الحاسوب الناطق، وأفلام الفيديو وبرامج تسهيل التواصل (Facilitated Communication)، ومع ذلك يجب معرفة أن برامج التفاعل الاجتماعي هذه لن تؤدي إلى صداقات دائمة بين أطفال التوحد والأقران في الفصل، أو أن يصبح الطفل المتوحد فرداً عادياً من خلال برامج التفاعل الاجتماعي. ولا بدَّ من الأخذ بعين الاعتبار كمية التفاعل الاجتماعي وعدد الكلمات التي يصدرها الطفل المتوحد وذات المعنى الواضح وفي الوقت المناسب، وكذلك اعتبار أن ليس جميع الأقران مناسبين في برامج التفاعل الاجتماعي، ومحاولة الحد من السلوك غير السوي لدى الطفل المتوحد قبل عملية التفاعل الاجتماعي؛ خشية نفور الأقران منه وتجنباً لحدوث مشاكل أو إصابات غير متوقعة، مع ضرورة توفير الاستمرارية في المراقبة والتوجيه، وتنويع أساليب التعزيز تبعاً لحاجة الطفل ومدى تقدمه، وتعميم المهارة الاجتماعية، والاستمرارية في تكرار ومراجعة ما تمَّ تعلمه.
تعليم طفل التوحد مهارات متعلقة بالتواصل اللغوي
إن الفكرة الرئيسة وراء مفهوم التربية الخاصة (Special education) هي وجود تطبيقات محددة لتعليم الأطفال ذوي الاضطرابات السلوكية، وتعتمد هذه الطريقة على فكرة نقل المعلومات لدى طفل يلقى صعوبة في إدراك المعلومات وفهمها عن طريق أحد القنوات الحسية، أو عن طريق التواصل اللغوي، أو الاجتماعي.
وفي مثل هذه الحالة على الاختصاصي استخدام القناة الحسية الفضلى حتى يتم تعويض هذه الصعوبة، ومثال على ذلك تحويل القناة من القناة البصرية إلى القناة السمعية، أو العكس.
لقد لوحظ في معظم اضطرابات الطفولة وخاصة في اضطراب التوحد أن القناة اللغوية والتواصل اللغوي يكون ضعيفاً، أو ضعيفاً جداً في بعض الحالات، مما يترتب عليه ضعف التواصل مع الآخرين، كما أنه ليس من السهل تعلم كلمات أو مفردات جديدة عن طريق الاستماع لكلمات الأفراد الآخرين.
إن هؤلاء الأطفال لا يتعلمون اللغة بشكل عَرَضي، أو مجرد، أو عن طريق المصادفة، حيث يستمعون إلى أفراد يتحدثون. وهذا مغاير لسماع اللغة التي توجّه إليهم مباشرة، ونحن نلاحظ أن معظم الأطفال الذين يعانون مشاكلَ في نموهم مثل أطفال التوحد (وفرط الحركة، وصعوبات التعلم…) يعانون أيضاً صعوبةً في سماع الكلمة، أو يبدو عليهم وكأنهم يعانون صممَ الكلمة؛ حيث تكون حاسة السمع لدى الطفل سليمة، ولكن بعض الكلمات، أو بعض الألفاظ تفقد قيمتها لدى الطفل السامع، كما لو كانت هذه الكلمات من لغة أخرى لا يعرفها الطفل، وكذلك يظهر على الطفل كما لو أنه لا يفهم الكلمات ومعناها، أو لا يدرك قيمة المدركات الحسية، كما نجده أحياناً يكرر بعض الكلمات، مهما تنوعت المعلومات من حوله أو الأسئلة الموجهة إليه، وخاصة في حالات الضغط الانفعالي، علماً بأن الطفل يدرك ما يدور حوله، من أحاديث أو تعليمات توجَّه إليه، ولكنه لا يعبر عن الأفكار أو الكلام بالشكل المطلوب. وقد يكون ذلك بسبب أن الطفل لم يكتسب استعمال اللغة بشكل صحيح، أو بسبب التأخر اللغوي والكلامي، مما يجعل الطفل يعاني صعوبةً في الاستقبال، ومن ثم يعاني تحقيق التواصل اللغوي الصحيح، وفي مثل هذه الحالات غالباً ما يعوَّض الضعف في التواصل اللغوي من خلال قناة أخرى تعطي للطفل إدراكات أفضل، وبالنسبة إلى حالات التوحد (وفرط الحركة، واضطرابات النمو الأخرى) تكون هذه القناة هي القناة البصرية وهي الفضلى. وبهذا يتم تلقي المثيرات السمعية مع المثيرات البصرية واستقبال المعلومات وتخزينها، ولكن كيف يتم تطبيق ذلك في تطوير التواصل اللغوي، ومن خلال رموز لغوية ومجموعة من الاتصالات (أو التواصلات اللغوية)؟
والقاعدة العامة تعتمد على فكرة إحضار اللغة من خلال التمثيل البصري، ويمكن أن يكون ذلك طعاماً مفضلاً للطفل، أو لعبة مفضلة، أو صوراً لمناطق يحب الطفل الذهاب إليها، ويمكن للمعلم، أو المدرب، أو الأهل… وضع مجموعة من التمارين وتقديم أنماط من المعلومات أو الخبرات المحولة عن طريق سلاسل من البطاقات والصور الملونة، أو موضوعات من طعام من البلاستيك، أو مزرعة فيها حيوانات من البلاستيك، بحيث نجعل الطفل يدرك اللغة العملية التعبيرية (اللفظية وغير اللفظية) واللغة الاستقبالية، مثلاً نجعله يختار أحد الموضوعين لمعرفة أهو فاكهة موز، أم فاكهة تفاح، حيوان دجاج أم حيوان حصان… ويتم تعليم الطفل اختيار أي شيء باستخدام الإشارة أو الكلمات المفردة للدلالة على الأشياء أو الصور التي تمثل الأشياء، مثل قوله كلمة (حَمَّام) إذا أراد الذهاب إلى المرحاض، أو الإشارة إلى صورة كأس الماء إذا أراد أن يشرب، أو الإشارة إلى كأس الماء مباشرة، ويقوم الطفل بعد التدريب والتكرار بتعبير لغوي عن طريق تسمية موضوع ما للسؤال حوله، ويمكن أن يصبح للكلمة مدلول الجملة البسيطة، والمثيرات البصرية يمكن أن تستخدم لدعم أكبر المشكلات اللغوية، مثل تسمية بعض الموضوعات التي تصف نشاطاً متسلسلاً مثل: سيارة، شجرة، بقرة، حليب، ومن المؤكد أن استجابة الطفل تكون حسب مدركاته وقدرته على التعبير اللغوي، ويجب الأخذ بعين الاعتبار ثلاثة أبعاد موضوعية تعمل على جذب انتباه الطفل عند تقديم منبه بصري هي التصوير، والألوان، والرسم، والخطوط، (والصوت والحركة بالنسبة إلى صور الأفلام)، وهذه تستخدم لزيادة القدرة على التجريد والتصور والإدراك؛ مثلاً الطفل الصغير تجذبه الأحرف الأبجدية الملونة، وقراءة الكلمات عن طريق الصور، وهذا يفيد في تزويد الطفل بالذاكرة البصرية والقدرة على الإدراك السمعي.
إن عرض مثيرات بصرية تثير اهتمام الطفل يؤدي إلى إثارة انتباهه أيضاً مما يتبعه استخدام اللغة والكلام بشكل ما، وكذلك فإن قراءة الكلمات المصاحبة للأشياء المعروضة التي يتم وصفها (أي اقتران الكلمة أو المفهوم بمدلوله المادي أو الحسي) وتكرار ذلك عدة مرات يساهمان في تكوين المفاهيم لدى الطفل وزيادة مخزون الذاكرة السمعية والذاكرة البصرية، ومن ثم قدرة الطفل على التواصل وزيادة المحصول اللغوي لديه. ويمكن تعليم الطفل معنى كلمة (نعم) (Yes)، وكلمة (لا) (No)، ومتى يستخدم هذه الكلمات، ويمكن تعلم ذلك عن طريق الإيماءات بنعم، أو لا، أو بالتلفظ بـ (نعم) أو (لا)، وكذلك يمكن تعليم الطفل كيف يفسر بعض الحركات الإيمائية، مثل الإشارة بـ (لا) بواسطة تحريك إصبع السبابة، أو التصفيق له في حالة قيامه بسلوك مقبول، أو إذا أظهر تعبيرات الوجه بشكل واضح (الوجه الضاحك، الوجه العبوس، الوجه الغاضب، أو أظهر إشارة جائع، أو أريد تناول الطعام،…)، وفي مراحل تالية يتعلم الطفل أن يقول: أنا جوعان، أنا تعبان، أنا أريد الكرة، أنا أريد الحمام، ثم يتدرب على الاستجابة للأوامر مثل: اذهب، تعال، اجلس، خذ، اكتب، ارسم،… ويتم تعليم الطفل أسماء الأشياء بالإشارة إلى صورتها، أو إليها مباشرة (السرير، المنزل، الحافلة، الكرسي، الحقيبة، الطعام، الطاولة، الملعقة، كوب الشاي، الكتاب، المنديل، الرجل، المرأة، الولد، الشجرة،… إلخ). ومن المفضل أن يراعى في ذلك قدرات الطفل والعمر العقلي لديه، ويمكن الاستعانة بصور الأشكال الواردة في الاختبارات العقلية غير اللفظية في فقرة التدريبات.
ودائماً يتم لفظ الكلمة، وقرنها بالمقابل المجسَّم أو بالصورة، أو بالشكل الواقعي، وتكرار ذلك عدة مرات إلى أن ينوب كل من الكلمة أو الصورة الحسية عن الآخر. وبعد ذلك يتم إدخال بعض الاستفسارات مثل: أين، ومتى، وكيف، ومَن، وكم… إلخ.
ويمكن استخدام الإيقاع الموسيقي وقرن ذلك ببعض الكلمات أو الجمل؛ فقد ثبت أن للإيقاع والموسيقا تأثيراً كبيراً لدى أطفال التوحد، وقد تستخدم الموسيقا معززاً لقيام الطفل بالسلوك المناسب، وكذلك في عملية التدريب والتعليم، وفي توفير وسط هادئ للطفل، وعلى المعالج اختيار المناسب من النمذجة وأداء الدور والتقليد والتمثيل واستخدام التلفاز، والمسجلة، والمرآة (Shadowing therapy).
ويمكن أن يستفاد من النواحي اللمسية (Tactile) في تعليم النواحي اللفظية، إذ لدى بعض الأطفال مضطربي النمو وخاصة أطفال التوحد وعي واضح وقوي بالأحاسيس اللمسية، ويمكن اعتبار ذلك عَرَضاً من أعراض اضطراب التوحد، وتزداد حاسة اللمس قوة لدى الطفل عندما يعمل على لمس (Touches) مادة معينة أو شيء ما عدة مرات، وهذا ما يولد لدى الطفل مدركات حسية لمسية هامة، وتزداد أهمية هذه اللمسات كلما كانت الأحاسيس البصرية معطلة إلى حد ما. لذلك من المهم في حالات التوحد الاستفادة من هذه الخاصية وذلك من خلال البرامج التعليمية والتدريب، ويمكن للمعلومات التي يكتسبها الطفل عن طريق اللمس أن تتحول إلى قنوات لفظية بالأسلوب نفسه أو الطريقة التي يتم من خلالها تحويل الخبرات البصرية إلى معلومات لفظية.
مثلاً يمكن للمدرب أن يأخذ صندوقاً ويضع فيه أشياء منها الصلب، ومنها اللين، ومنها الناعم، ومنها الخشن، ومنها الصغير في الحجم، والكبير في الحجم، ومنها ما هو متعرج، ومنها ما هو مستقيم، ومنها ما يؤكل ومنها ما لا يؤكل… إلخ. ويطلب من الطفل أن يتعرفها وأن يميز بعضها عن بعض عن طريق اللمس ووضع يده داخل الصندوق، أو بعد إغماض العينين، ويلقى الطفل التعزيز اللازم عن كل إجابة صحيحة. أو يقوم المدرب باللعب مع الطفل لعبة الضوء الساطع حيث يتم وصل تيار كهربائي إلى لوحة عليها أشكال وأرقام وألوان وصور تقابلها كلمات، أو إجابات بـ (نعم)، (لا)، فإذا ضغط الطفل على الزر المناسب فإن اللوحة تضاء مشيرة إلى أن الأداء صحيح (تغذية راجعة)، والعكس، ويمكن للطفل أن يتعلم العمل على اللوحة من خلال عمليات التوجيه، والنمذجة، أو التقليد (Imitation)، واللوحة غالباً ما تكون جاذبة لنظر الطفل بسبب المثيرات الحسية والضوء واللون والحركة والصوت (صح، خطأ) التي تجذب الطفل نحوها. ولا بد من تشجيع الطفل على التواصل بالنظر، والنظر إلى عيني المتحدث بشكل مباشر.
وهناك العديد من البرامج للتدريب على التواصل اللغوي في طريقة (TEACCH)، من بين هذه البرامج طريقة التدريب السمعي (Auditory training) التي وضعها الطبيب الفرنسي توماس بيرارد (Berard T.)، وهو متخصص في الأذن والأنف والحنجرة (E. N. T). وتعتمد هذه الطريقة على تعريض الطفل لمجموعة من الأصوات المختلفة، وتدريب الطفل على الاستماع والانتباه إلى هذه الأصوات، مع استخدام المعززات الإيجابية في كل مرة يستمع أو ينتبه بها الطفل إلى المدرب، أو إلى المعلم، أو أي شخص يصدر أصواتاً، أو إلى الجهاز الذي يصدر أصواتاً مختلفة أيضاً، وإلى أن تطول مدة الانتباه لدى الطفل، وقد تستخدم أصوات الموسيقا، أو الغناء، أو الحديث العادي في تعليم بعض المفردات؛ لأن الغناء، والإيقاع أو الرتابة يشد مسامع أطفال التوحد.
والجهاز المصمم لهذا الغرض عبارة عن جهاز إلكتروني يتكون من عدة وحدات هي؛ وحدات إصدار أصوات مختلفة كالموسيقا بأنواعها المختلفة، ووحدة أخرى تتحكم بشدة الصوت من حيث الارتفاع والانخفاض وطبقة الصوت، ووحدة تقيس مدى تأثر الأذن بالصوت المسموع، مع توفير التخطيط السمعي الذي يوضح أعلى درجة من الصوت يمكن للطفل أن يستمر في الاستماع إليها، ويوضع على أذني الطفل سماعتان، والطفل يستمع إلى الصوت القادم من جهاز التسجيل ويتحكم المدرب بشدة الصوت بحيث لا تتجاوز (85) ديسيبل (وهي وحدة قياس شدة الصوت)، وقد يكون الصوت القادم عبارة عن صافرة، والمدرب ينتقل من طبقة صوت إلى أخرى مع مراقبة المخطط السمعي للمتدرب، وهذه الطريقة تقلل من الحساسية للصوت المرتفع لدى الطفل وذلك من خلال جعله يعتاد الاستماع للصوت في الطبقة العالية نوعاً ولمدة عشر دقائق مثلاً، ثم خفض طبقة الصوت مما يجذب انتباه الطفل ويثير المتدرب، ثم يتم إعادة رفع طبقة الصوت مرة أخرى، فإذا كان الطفل يعاني مشاكلَ في اللغة أو النطق أو التواصل اللغوي، فإن الصوت المسموع في الأذن اليسرى يتم خفض مستواه، مما يؤدي إلى افتراض أن ذلك يسبب تحفيزاً لمناطق اللغة في نصف المخ الأيسر.
وقد لوحظ أن هذه الطريقة تؤدي إلى تغيير واضح في سلوك المتدرب من حيث سرعة استجابة طفل التوحد عند سماع اسمه، ومن حيث زيادة فرص توجيه الطفل لفظياً، وتحسين النطق، وزيادة حجم الكلام، وتحسن الاتصال مع الآخرين، كما أن هذه الطريقة تزيد من قدرة الفرد على نقل انتباهه من نشاط إلى آخر، بالإضافة إلى تحسن التواصل البصري وتقليل الحساسية السمعية (عتبة الإحساس السمعي)، ولم يعرف العلماء الآلية التي ساعدت بها هذه الطريقة أطفال التوحد الذين سجلوا تحسناً بين المقبول والجيد.
وفي طريقة بيرارد يتم تدريب الطفل في حدود جلستين يومياً؛ كل جلسة لمدة نصف ساعة.
والطريقة الثانية، التي تستخدم في مركز جامعة شمال كارولينا في الولايات المتحدة الأميركية، في مجال التواصل اللغوي هي طريقة الطبيب الفرنسي (Tomatis, P). وتسمى هذه الطريقة (Audio – Psycho – Phonology) (APP) أي طريقة السمع – النفس – الصوتية، والتي تربط بين القدرة السمعية، والاتجاهات أو الميول والمشاعر النفسية، والتحكم بالصوت والكلام، وتعتمد على مبدأ وجود فرق بين السمع (القدرة السمعية) (Hearing)، وبين الاستماع (Listening)؛ القدرة السمعية تعتمد على سلامة جهاز السمع عضوياً ووظيفياً، أما الاستماع فهو مرتبط بالاتجاه، والاهتمام، وبالدافعية، وبالانتباه، والإدراك، والتركيز، والاحتفاظ، والحالة النفسية والمزاجية للفرد، ومستوى الفهم والتدريب. وهذه تحفّز الجهاز السمعي وتوفر مثيرات للاستماع، مع القدرة على الضبط للسمع، والنطق حسب الموقف…
وطريقة (توماتس بيرارد) هذه تعتمد على ثلاثة مستويات وهي: المستوى الوظيفي (Functional)، والمستوى الانفعالي أو العاطفي (Emotional)، والمستوى الارتباطي العلائقي (Relationship)، وعلاقة الأذن بالصوت تتأثر وتتطور بفعل التعلم والتدريب (كما عند الموسيقيين)، ويستخدم في هذه الطريقة جهاز خاص بالسمع يشبه جهاز الطبيب الفرنسي (بيرارد)، ولكن في هذه الطريقة تستخدم عدة اختبارات وطرق لقياس السمع والاستماع، وتحديد مدى قدرة الأذن على التمييز بين الأصوات المراد سماعها.
ويستخدم تخطيط السمع لمعرفة نقاط الضعف والقوة في عملية السمع والاستماع التي تحتاج إلى تدريب، بالإضافة إلى تحديد الضعف في كل أذن، والبرنامج في هذه الطريقة يتكون من مرحلة سمعية استقبالية، ومرحلة سمعية لفظية تعبيرية. المرحلة الأولى تساعد الفرد المتدرب على استماع أفضل، والمرحلة الثانية تفيد في المحافظة على ما تم التدريب عليه، ومساعدته في تطوير الكلام، والمتدرب يستمع إلى صوت معين، أو موسيقا عبر سماعات الأذن، وتكون طبقة الصوت منخفضة في بادئ الأمر، ومن ثم يتم رفع درجة الصوت تدريجياً، بحيث يساعد ذلك على حفز الفرد، وفتح القنوات الصوتية وتحليل الصوت وتمييزه بين مجموعة من الأصوات (هذا صوت المعلم، هذا صوت صفارة، هذا صوت عصفور)، وتستمر الجلسات لمدة (30) يوماً وبمعدل ساعتين يومياً، وتختلف المدة حسب حالة المتدرب، ويجب متابعة التدريب حتى بعد الانتهاء منه. وبعد التدريب السمعي ينتقل الطفل إلى مدرب الكلام والنطق، ويعتبر البعض أن هذه الطريقة وعملية السمع والاستماع هي لزيادة نشاط الدماغ وتحفيزه ومدِّه بالطاقة للقيام بسلوك الكلام أو غير ذلك.